إعلان

أندم من الكِسْعِيِّ

أندم من الكِسْعِيِّ:

هو رجل من كِسْعَة اسمه محارب بن قيس رأى نبعة في صخرة واد كان يرعى فيه فتعهدها حتى أدركت ثم اتخذ منها قوساً وأنشأ يقول: 

يا رب وفقني لنحت قوسي ... فإنها من لذتي لنفسي
وانفع بقوسي ولدي وعرسي ... انحتها صفراء مثل الورس
                 صلداء ليست كالقسي النكس

وبرا من برايتها خمسة أسهم وأخذ يقلبها بكفه ويقول:

هن وربي أسهم حسان ... تلذ للرامي بها البنان
كأنما قومها ميزان ... فأبشروا بالخصب يا صبيان
         إن لم يعقني الشؤم والحرمان

ثم كمن في قترة على موارد حمر فمر به قطيع فمرى عيراً فأمخطه السهم وصدم الجبل فأورى فظنه قد أخطأ، فقال: 

أعوذ بالله العزيز الرحمن ... من نكد الجد معاً والحرمان
مالي رأيت السهم بين الصوان ... يورى شراراً مثل لون العقيان
                فأخلف اليوم رجاء الصبيان

ثم صنع صنيع الأول وأنشأ يقول: 

لا بارك الرحمن في رمي القتر ... أعوذ بالخالق من سوء القدر
أأمخط السهم لإرهاق الضرر ... أم ذاك من سوء اختيار ونظر
                 أم ليس يغني عذر عند قدر

ثم صنع صنيع الثاني وأنشأ يقول: 

ما بال سهمي يوقد الحباحبا ... قد كنت أرجو أن يكون صائبا
وأمكن العير وولي جانباً ... فصار رأيي فيه رأياً خائبا
                  أظل منه في اكتئاب دائبا

ثم صنع صنيع الثالث وأنشأ يقول: 

يا أسفي للشؤم والجد النكد ... أخلف ما أرجو لأهل وولد
فيها ولم يغن الحذار والجلد ... فخاب ظن الأهل فيه والولد

ثم صنع صنيع الرابع وأنشأ يقول: 

أبعد خمس قد حفظت عدها ... أحمل قوسي وأريد ردها
أخزى الإلهُ لينها وشدها ... والله لا تسلم عندي بعدها
               ولا أرجى ما حييت رفدها

ثم كسرها فلما أصبح ورأى الأعيار مصرعة ندم وأنحى على إبهامه فقطعها وقال:

ندمت ندامة لو أن نفسي ... تطاوعني إذاً لقطعت خمسي
تبين لي سفاه الرأي مني ... لعمر أبيك حين كسرت قوسي

وقال الفرزدق:

ندمت ندامة الكسعي لما ... غدت مني مطلقة نوار

وقال الحطيئة: 

ندمت ندامة الكسعي لما ... شربت رضا بني سهم برغمي